فصل: من فوائد ابن عطية في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{وَإِذَا قضى أَمْرًا} أي أراد شيئًا، وأصل القضاء إتمام الشيء قوة كقوله تعالى: {وقضى رَبُّكَ} أو فعلًا كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سموات} وأطلق على تعلق الإِرادة الإِلهية بوجود الشيء من حيث إنه يوجبه.
{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} من كان التامة بمعنى أحدث فيحدث، وليس المراد به حقيقة أمر وامتثال، بل تمثيل حصول ما تعلقت به إرادته بلا مهلة بطاعة المأمور المطيع بلا توقف. وفيه تقرير لمعنى الإِبداع، وإيماء إلى حجة خامسة وهي: أن اتخاذ الولد مما يكون بأطوار ومهلة، وفعله تعالى مستغن عن ذلك. وقرأ ابن عامر {فَيَكُونَ} بفتح النون. واعلم أن السبب في هذه الضلالة، أن أرباب الشرائع المتقدمة كانوا يطلقون الأب على الله تعالى باعتبار أنه السبب الأول، حتى قالوا إن الأب هو الرب الأصغر، والله سبحانه وتعالى هو الرب الأكبر، ثم ظنت الجهلة منهم أن المراد به معنى الولادة، فاعتقدوا ذلك تقليدًا، ولذلك كُفِّرَ قائله ومنع منه مطلقًا حسمًا لمادة الفساد. اهـ.

.قال النسفي:

{وَإِذَا قضى أَمْرًا} أي حكم أو قدر {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} هو من كان التامة أي أحدث فيحدث وهذا مجاز عن سرعة التكوين وتمثيل ولا قول ثُمَّ.
وإنما المعنى أن ما قضاه من الأمور وأراد كونه فإنما يتكون، ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه إباء.
وأكد بهذا استبعاد الولادة لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت صفاته مباينة لصفات الأجسام فأنى يتصور التوالد ثمّ.
والوجه الرفع في {فيكون} وهو قراءة العامة على الاستئناف أي فهو يكون، أو على العطف على {يقول}.
ونصبه ابن عامر على لفظ {كن} لأنه أمر وجواب الأمر بالفاء نصب.
وقلنا: إن {كن} ليس بأمر حقيقة إذ لا فرق بين أن يقال وإذ قضى أمرا فإنما يكونه فيكون وبين أن يقال فإنما يقول له كن فيكون، وإذا كان كذلك فلا معنى للنصب.
وهذا لأنه لو كان أمرًا فإما أن يخاطب به الموجود والموجود لا يخاطب ب {كن} أو المعدوم والمعدوم لا يخاطب. اهـ.
سؤال: فإن قيل: في أي حال يقول له كن فيكون؟ أفي حالة عدمه أم في حال وجوده؟ فإن كان في حال عدمه، استحال أن يأمر إلا مأمورًا، كما يستحيل أن يكون الأمر إلا من آمر، وإن كان في حال وجوده، فتلك حال لا يجوز أن يأمر فيها بالوجود والحدوث، لأنه موجود حادث؟.
قيل: عن هذا السؤال أجوبة ثلاثة:
أحدها: أنه خبر من الله تعالى عن نفوذ أوامره في خلقه الموجود، كما أمر في بني إسرائيل، أن يكونوا قردة خاسئين، ولا يكون هذا واردًا في إيجاد المعدومات.
الثاني: أن الله عز وجل عالم، بما هو كائن قبل كونه، فكانت الأشياء التي لم تكن وهي كائنة بعلمه، قبل كونها مشابهة للأشياء التي هي موجودة، فجاز أن يقول لها كوني، ويأمرها بالخروج من حال العدم إلى حال الوجود، لتصور جميعها له ولعلمه بها في حال العدم.
والثالث: أن ذلك خبر من الله تعالى، عامٌ عن جميع ما يُحْدِثُه، ويكوّنه، إذا أراد خلقه وإنشاءه كان ووجد من غير أن يكون هناك قول يقوله، وإنما هو قضاء يريده، فعبر عنه بالقول وإن لم يكن قولًا، كقول أبي النجم:
قد قالت الأنساع للبطن الحق ** قدما فآضت كالغسق المحقق

ولا قول هناك، وإنما أراد أن الظهر قد لحق بالبطن، وكقوله عمرو بن حممة الدوسي.
فأصبحت مثل النسر طارت فراخه ** إذا رام تطيارًا يقال له قَعِ

.قال ابن الجوزي:

فإن قيل: هذا خطاب لمعدوم؛ فالجواب أنه خطاب تكوين يُظهر أثر القدرة، ويستحيل أن يكون المخاطب موجودًا، لأنه بالخطاب كان، فامتنع وجوده قبله أو معه.
ويحقق هذا أن ما سيكون متصور للعلم، فضاهى بذلك الموجود، فجاز خطابه لذلك. اهـ.

.قال ابن جزي:

قال الأصوليون: هذه عبارة عن تعود قدرة الله وليس بقول حقيقي لأنه إذا كان قول كن خطابًا للشيء في حال عدمه لم يصح، لأن المعدوم لم يخاطب وإن كان خطابًا في حال وجوده، لأنه قد كان، وتحصيل الحاصل غير مطلوب، وحمله المفسرون على حقيقته، وأجابوا عن ذلك بأربعة أجوبة.
أحدها: أن الشيء الذي يقول له {كن فيكون} وموجود في علم الله، وإنما يقول له {كن} ليخرجه إلى العيان لنا.
والثاني: أن قوله: {كن} لا يتقدم على وجود الشيء ولا يتأخر عنه قاله الطبري.
والثالث: أن ذلك خطابًا لمن كان موجودًا على حاله فيأمره بأن يكون على حالة أخرى، كإحياء الموتى، ومسخ الكفار، وهذا ضعيف، لأنه تخصيص من غير مخصص.
والرابع: أن معنى يقول له: يقول من أجله، فلا يلزم خطابه، والأول أحسن هذه الأجوبة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}.
البديع عند العلماء مُوجِد العين لا على مِثْل، وعند أهل الإشارة الذي ليس له شيء مِثله. فهذا الاسم يشير إلى نفي المثل عن ذاته، ونفي المثال عن أفعاله، فهو الأحد الذي لا عدد يجمعه، والصمد الذي لا أَمَدَ يقطعه، والحق الذي لا وهم يصوِّره، والموجود الذي لا فهم يقدره. وإذا قضى أمرًا فلا يعارض عليه مقدور، ولا ينفكُ من حكمه محظور. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {بَدِيعُ السماوات}.
قال الزمخشري: هذا إما من إضافة الصفة المشبهة باسم الفاعل.
قال ابن عرفة: ف {بدِيعُ} صفة {السماوات}.
قال: أو من إضافة اسم الفاعل.
قال ابن عرفة: {بَدِيعُ} صفة الله تعالى أي مبتدع السماوات.
وقال أبو حيان: الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدإ، وقرئ بالنصب على المدح، وبالجر على البدل من الضمير في قوله: {له}، وهي صفة مشبهة باسم الفاعل والمجرور مشبه بالمفعول، وأصله: بديع سماواته، ثم شبه الوصف فأضمر فيه ضمير عائد على الله ونصب سماواته على التشبيه.
وقيل: بديع سماواته ثم أضيف فانجرَّ مِنْ نصب.
وقال الزمخشري: هو من إضافة الصّفة المشبهة إلى فاعلها واعترض بأن الصفة لا تكون مشبهة إلا إذا نصبت أو أضيفت عن نصب، أما إذا رفعت فليست مشبهة لأن عمل الرفع في الفاعل تستوي فيه الصفات المتعدية وغيرها، وأيضا بإضافة الصفة إلى فاعلها لا يجوز لأنه من إضافة الشيء إلى نفسه، وقد يتناول كلامه على أن معناه من إضافة الصفة المشبهة إلى ما كان فاعلا لها قبل أن تشبه. انتهى.
قلنا قوله: واعترض بكذا، نقل ابن عصفور في شرح الجمل عن الأستاذ أبي الحسن علي بن جابر الرماح أن الإضافة: في مررت برجل حسن وجهه، يمكن أن يكون من رفع، وأنه حكى ذلك عن أشياخه وحمل عليه كلام سيبويه واعترضه ابن عصفور فانظره.
قوله تعالى: {وَإِذَا قضى أَمْرًا}.
أي أراد فيرجع للارادة القديمة التنجيزية.
وقال الزمخشري: إنه عبارة عن سرعة التكوين.
فجرى على مذهبه.
وقال ابن عطية: أي قدر في الأزل وأمضى فيه. اهـ.

.من فوائد ابن عطية في الآية:

قال رحمه الله:
و{بديع} مصروف من مبدع كبصير من مبصر، ومثله قول عمرو بن معديكرب: الوافر::
أَمِنْ ريحانة الداعي السميعِ

يريد المسمع، والمبدع المخترع المنشيء، ومنه أصحاب البدع، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة رمضان: «نعمت البدعة هذه».
وخص {السماوات والأرض} بالذكر لأنها أعظم ما نرى من مخلوقاته جل وعلا، و{قضى}، معناه قدر، وقد يجيء بمعنى أمضى، ويتجه في هذه الآية المعنيان، فعلى مذهب أهل السنة قدر في الأزل وأمضى فيه، وعلى مذهب المعتزلة أمضى عند الخلق والإيجاد.
والأمر واحد الأمور، وليس هنا بمصدر أمر يأمر، ويكون رفع على الاستئناف، قال سيبويه: معناه فهو يكون، قال غيره: يكون عطف على يقول، واختاره الطبري وقرره، وهو خطأ من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود، وتكلم أبو علي الفارسي في هذه المسألة بما هو فاسد من جملة الاعتزال لا من جهة العربية.
وقرأ ابن عامر {فيكونَ} بالنصب، وضعفه أبو علي، ووجهه مع ضعفه على أن يشفع له شبه اللفظ، وقال أحمد بن موسى في قراءة ابن عامر: هذا لحن.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: لأن الفاء لا تعمل في جواب الأمر إلا إذا كانا فعلين يطرد فيها معنى الشرط، تقول أكرم زيدًا فيكرمك، والمعنى إن تكرم زيدًا يكرمك، وفي هذه الآية لا يتجه هذا، لأنه يجيء تقديره: إن تكن يكن، ولا معنى لهذا، والذي يطرد فيه معنى الشرط هو أن يختلف الفاعلان أو الفعلان فالأول أكرم زيدًا فيكرمك والثاني أكرم زيدًا فتسود.
وتلخيص المعتقد في هذه الآية، أن الله عز وجل لم يزل آمرًا للمعدومات بشرط وجودها، قادرًا مع تأخر المقدورات، عالمًا مع تأخر وقوع المعلومات، فكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال، فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكل ما يستند إلى الله تعالى من قدرة وعلم وأمر فهو قديم لم يزل، ومن جعل من المفسرين {قضى} بمعنى أمضى عند الخلق والإيجاد، فكأن إظهار المخترعات في أوقاتها المؤجلة قول لها {كن}، إذ التأمل يقتضي ذلك، على نحو قول الشاعر أبو النجم العجلي: الرجز:
وقالتِ الأقرابُ للبطن الحق

قال القاضي أبو محمد: وهذا كله يجري مع قول المعتزلة، والمعنى الذي تقتضيه عبارة {كن} هو قديم قائم بالذات، والوضوح التام في هذه المسألة يحتاج أكثر من هذا البسط. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{بديع السموات والأرض}: لما ذكر أنه مالك لجميع من في السموات والأرض، وأنهم كلّ قانتون له، وهم المظروف للسموات والأرض، ذكر الظرفين وخصهما بالبداعة، لأنهما أعظم ما نشاهده من المخلوقات.
وارتفاع بديع على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهو من باب الصفة المشبهة باسم الفاعل.
فالمجرور مشبه بالمفعول، وأصله الأول بديع سمواته، ثم شبه الوصف فأضمر فيه، فنصب السموات، ثم جر من نصب.
وفيه أيضًا ضمير يعود على الله تعالى، ويكون المعنى في الأصل أنه تعالى بدعت سمواته، أي جاءت في الخلق على شكل مبتدع لم يسبق نظيره.
وهذا الوجه ابتدأ به الزمخشري، إلا أنه قال: وبديع السموات من إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها، وهذا ليس عندنا.
كذلك بل من إضافة الصفة المشبهة إلى منصوبها.
والصفة عندنا لا تكون مشبهة حتى تنصب أو تخفض، وأما إذا رفعت ما بعدها فليس عندنا صفة مشبهة، لأن عمل الرفع في الفاعل يستوي فيه الصفات المتعدية وغير المتعدية.
فإذا قلنا: زيد قائم أبوه، فقائم رافع للأب على حدّ رفع ضارب له.
إذا قلت: زيد ضارب أبوه عمرًا، لا تقول: إن قائمًا هنا من حيث عمل الرفع شبه بضارب، وإذا كان كذلك، فإضافة اسم الفاعل إلى مرفوعه لا يجوز لما تقرّر في علم العربية، إلا إن أخذنا كلام الزمخشري على التجوّز فيمكن، ويكون المعنى من إضافة الصفة المشبهة إلى ما كان فاعلًا بها قبل أن يشبه.
وحكى الزمخشري وجهًا ثانيًا قال: وقيل البديع بمعنى المبدع، كما أن السميع في قول عمرو:
أمن ريحانة الداعي السميع

بمعنى: المسمع، وفيه نظر. انتهى كلامه.
وهذا الوجه لم يذكر ابن عطية غيره، قال: وبديع مصروف من مبدع، كبصير من مبصر، ومنه قول عمرو بن معدى كرب:
أمن ريحانة الداعي السمي ** ع يؤرّقني وأصحابي هجوع

يريد: المسمع والمبدع والمنشئ، ومنه أصحاب البدع، ومنه قول عمر بن الخطاب في صلاة رمضان: نعمت البدعة هذه،. انتهى.
والنظر الذي ذكره الزمخشري، والله أعلم، أن فعيلًا بمعنى مفعل لا ينقاس مع أن بيت عمرو محتمل للتأويل.
وعلى هذا الوجه يكون من باب إضافة اسم الفاعل لمفعوله.
وقرأ المنصور: بديع بالنصب على المدح، وقرئ بالجرّ على أنه بدل من الضمير في له.
{وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون}: لما ذكر ما دل على الاختراع، ذكر ما يدل على طواعية المخترع وسرعة تكوينه.
ومعنى قضى هنا: أراد، أي إذا أراد إنشاء أمر واختراعه.
قال ابن عطية: وقضى: معناه قدر، وقد يجيء بمعنى: أمضى.
ويتجه في هذه الآية المعنيان.
فعلى مذهب أهل السنة: قدر في الأزل وأمضى فيه، وعلى مذهب المعتزلة: أمضى عند الخلق والإيجاد.
والأمر: واحد الأمور، وليس هنا مصدر أمر يأمر.
والمعتقد في هذه الآية أن الله لم يزل آمرًا للمعدومات بشرط وجودها، قادرًا مع تأخر المقدورات، عالمًا مع تأخر وقوع المعلومات.
وكل ما في الآية مما يقتضي الاستقبال فهو بحسب المأمورات، إذ المحدثات تجيء بعد أن لم تكن، وكلّ ما استند إلى الله من قدرة وعلم فهو قديم لم يزل.
انتهى ما نقلناه هنا من كلامه.
وقال المهدوي: {وإذا قضى أمرًا}، أي أتقنه وأحكمه وفرغ منه.
ومعنى: فإنما يقول له كن فيكون، يقول من أجله.
وقيل: قال له كن، وهو معدوم، لأنه بمنزلة الموجود، إذ هو عنده معلوم.
قال الطبري: أمره للشيء بكن لا يتقدّم الوجود ولا يتأخر عنه، فلا يكون الشيء مأمورًا بالوجود إلا وهو موجود بالأمر، ولا موجودًا بالأمر إلا وهو مأمور بالوجود.
قال: ونظيره قيام الأموات من قبورهم لا يتقدّم دعاء الله ولا يتأخر عنه، كما قال: {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون} فالهاء في له تعود على الأمر، أو على القضاء الذي دلّ عليه قضى، أو على المراد الذي دلّ عليه الكلام.
انتهى ما نقلناه من كتابه.
وقال مكي: معنى الآية أنه عالم بما سيكون وما هو كائن، فقوله: كن، إنما هو للموجود في علمه ليخرجه إلى العيان لنا. انتهى كلامه.
وقال الزمخشري: كن فيكون، من كان التامة، أي أحدث فيحدث، وهذا مجاز من الكلام وتمثيل ولا قول، ثم كما لا قول في قوله:
إذ قالت الأنساع للبطن الحق

وإنما المعنى: ما قضاه من الأمور وأراد كونه، فإنما يتكوّن ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف.
كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل، لا يتوقف ولا يمتنع، ولا يكون منه الإباء.
أكد بهذا استبعاد الولادة، لأن من كان بهذه الصفة من القدرة، كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها. انتهى كلامه.
وقال السجاوندي: كن على التمثيل لنفاذ الأمر، قال:
فقالت له العينان سمعًا وطاعة ** وإلا فالمعدوم كيف يخاطب

أو علامة للملائكة بحدوث الموجود، أو على تقدير ما تصوّر كونه في علمه، أو مخصوص في تحويل الموجود من حال إلى حال، ولو كان كن مخلوقًا، لاحتاج إلى أخرى ولا يتناهي، فدلَّ على أن القرآن غير مخلوق. انتهى كلامه.
قال المهدوي: وفي هذه الآية دليل على أن كلام الله غير مخلوق، لأنه لو كان مخلوقًا لكان قائلًا له: كن، ولكان قائلًا: لكن كن، حتى ينتهي ذلك إلى ما لا يتناهى، وذلك مستحيل مع ما يؤدّي إليه ذلك من أنه لا يوجد من الله فعل ألبتة، إذ لابد أن يوجد قبله أفعال، هي أقاويل لا غاية لها، وذلك مستحيل.
ولا يجوز أن يحمل على المجاز، إذ ذلك إنما يكون في الجمادات، ولا يكون فيمن يصح منه القول إلا بدليل.
ويقوي ذلك أن المصدر فيه الذي هو قولنا من قوله: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} وكد بمصدر آخر، وهو أن نقول، وأهل العربية مجمعون، على أنهم إذا أكدوا الفعل بالمصدر كان حقيقة، ولذلك جاء قوله: {وكلم الله موسى تكليمًا} إذ كان الله تعالى متولي تكليمه.
وقد قيل: إن معنى فإنما يقول له كن فيكون بكونه. انتهى كلام المهدوي.
وقال في المنتخب: كن فيكون ليس المراد أنه تعالى يقول كن، فحينئد يكون ذلك الشيء، فإن ذلك فاسد من وجوه، فلابد من تأويله، وفيه وجوه: الأول: وهو الأقوى، أن المراد نفاذ سرعة قدرة الله في تكوين الأشياء، وإنما يخلقها لا لفكرة، ونظيرة {قالتا أتينا طائعين} الثاني: أنها علامة يعقلها الملائكة، إذا سمعوها علموا أنه أحدث أمرًا، قاله أبو الهذيل.
الثالث: أنه جاء للموجودين الذين قال لهم: {كونوا قردة خاسئين} ومن جرى مجراهم، وهو قول الأصم.
الرابع: أنه أمر للأحياء بالموت، وللموتى بالحياة، والكل ضعيف، والقوي هو الأول. انتهى كلامه.
هذا ما نقلناه من كلام أهل التفسير في الآية.
وظاهر الآية يدل على أن الله تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له: كن، تبينه الآية الأخرى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} وقوله: {وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر} لكن دليل العقل صد عن اعتقاد مخاطبة المعدوم، وصد عن أن يكون الله تعالى محلًا للحوادث، لأن لفظة كن محدثة، ومن يعقل مدلول اللفظ.
وكونه يسبق بعض حروفه بعضًا، لم يدخله شك في حدوثه، وإذا كان كذلك، فلا خطاب ولا قول لفظيًا، وإنما ذلك عبارة عن سرعة الإيجاد وعدم اعتياصه، فهو من مجاز التمثيل، وكأنه قدر أن المعدوم موجود يقبل الأمر ويمتثله بسرعة، بحيث لا يتأخر عن امتثال ما أمر به.
وقرأ الجمهور: فيكون بالرفع، ووجه على أنه على الاستئناف، أي فهو يكون، وعزى إلى سيبويه.
وقال غيره: فيكون عطف على يقول، واختاره الطبري وقرّره.
وقال ابن عطية: وهو خطأ من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن القول مع التكوين حادث، وقد انتهى ما رده به ابن عطية.
ومعنى رده: أن الأمر عنده قد تم، والتكوين حادث، وقد نسق عليه بالفاء، فهو معه، أي يعتقبه، فلا يصح ذلك، لأن القديم لا يعتقبه الحادث.
وتقرير الطبري له هو ما تقدم في أوائل الكلام على هذه المسألة، من أن الأمر لا يتقدم الوجود ولا يتأخر عنه.
وما رده به ابن عطية لا يتم إلا بأن تحمل الآية على أن ثم قولًا وأمرًا قديمًا.
أما إذا كان ذلك على جهة المجاز، ومن باب التمثيل، فيجوز أن يعطف على نقول.
وقرأ ابن عامر: فيكون بالنصب، وفي آل عمران: {كن فيكون} ونعلمه، وفي النحل، وفي مريم، وفي يس، وفي المؤمن.
ووافقه الكسائي في النحل ويس، ولم يختلف في {كن فيكون} الحق في آل عمران.
{وكن فيكون} قوله الحق في الأنعام أنه بالرفع، ووجه النصب أنه جواب على لفظ كن، لأنه جاء بلفظ الأمر، فشبه بالأمر الحقيقي.
ولا يصح نصبه على جواب الأمر الحقيقي، لأن ذلك إنما يكون على فعلين ينتظم منهما شرط وجزاء نحوه: ائتني فأكرمك، إذ المعنى: إن تأتني أكرمك.
وهنا لا ينتظم ذلك، إذ يصير المعنى: إن يكن يكن، فلابد من اختلاف بين الشرط والجزاء، إما بالنسبة إلى الفاعل، وإما بالنسبة إلى الفعل في نفسه، أو في شيء من متعلقاته.
وحكى ابن عطية، عن أحمد بن موسى، في قراءة ابن عامر: أنها لحن، وهذا قول خطأ، لأن هذه القراءة في السبعة، فهي قراءة متواترة، ثم هي بعد قراءة ابن عامر، وهو رجل عربي، لم يكن ليلحن.
وقراءة الكسائي في بعض المواضع، وهو إمام الكوفيين في علم العربية، فالقول بأنها لحن، من أقبح الخطأ المؤثم الذي يجر قائله إلى الكفر، إذ هو طعن على ما علم نقله بالتواتر من كتاب الله تعالى. اهـ.